سورة المائدة - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال ابن عباس: نزلت هذه الآية فى عبادة بن الصامت حين تبرأ من موالاة اليهود وقال: أوالي الله ورسوله والمؤمنين يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله: نزلت فى عبد الله بن سلام وذلك أنه جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن سلام: رضينا بالله ربّاً وبرسوله نبياً وبالمؤمنين أولياء.
وقيل: الآية عامة في حق جميع المؤمنين لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فعلى هذا يكون قوله تعالى: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} صفة لكل مؤمن ويكون المراد بذكر هذه الصفات تمييز المؤمنين عن المنافقين لأن المنافقين كانوا يدعون أنهم مؤمنون إلا أنهم لم يكونوا يداومون على فعل الصلاة والزكاة فوصف الله تعالى المؤمنين بأنهم يقيمون الصلاة يعني بتمام ركوعها وسجودها فى مواقيتها ويؤتون الزكاة يعني ويؤدون الزكاة يعني ويؤدون زكاة أموالهم إذا وجبت عليهم.
أما قوله تعالى وهم راكعون فعلى هذا التفسير فيه وجوه:
أحدهما: أن المراد من الركوع هنا الخضوع والمعنى أن المؤمنين يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لأوامر الله ونواهيه.
الوجه الثاني: أن يكون المراد منه أن من شأنهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإنما خص الركوع بالذكر تشريفاً له.
الوجه الثالث: قيل إن هذه الآية نزلت وهم ركوع. وقيل: نزلت في شخص معين وهو علي بن أبي طالب. قال السدي: مر بعلي سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، فعلى هذا قال العلماء: العمل القليل في الصلاة لا يفسدها والقول بالعموم أولى وإن كان قد وافق وقت نزولها صدقة علي بن أبي طالب وهو راكع. ويدل على ذلك ما روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} من هم؟ فقال: المؤمنون، فقلت: إن ناساً يقولون هو علي، فقال: علي من الذين آمنوا.
وقوله تعالى: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا} يعني ومن يتول القيام بطاعة الله ونصر رسوله والمؤمنين. قال ابن عباس: يريد المهاجرين والأنصار ومن يأتي بعدهم {فإن حزب الله} يعني أنصار دين الله {هم الغالبون} لأن الله ناصرهم على عدوهم والحزب في اللغة أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبه يعني أهمه.


قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً} قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ومعنى: اتخذوا دينكم هزواً ولعباً هو إظهارهم الإسلام بألسنتهم قولاً وهم على ذلك يبطنون الكفر ويسرونه {من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني اليهود {والكفار} يعني عبد ة الأصنام وإنما فصل بين أهل الكتاب والكفار وإن كان أهل الكتاب من الكفر لأن كفر المشركين من عبد ة الأصنام أغلظ وأفحش من كفر أهل الكتاب {أولياء} يعني لا تتخذوهم أولياء والمعنى أن أهل الكتاب والكفار اتخذوا دينكم يا معشر المؤمنين هزواً وسخرية فلا تتخذوهم أنتم أولياء وأنصاراً {واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} يعني مؤمنين حقاً لأن المؤمن يأبى موالاة أعداء الله عز وجل.
قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً} قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا ويضحكون على طريق الاستهزاء فأنزل الله هذه الآية. وقال السدي: نزلت هذه الآية في رجل من النصارى كان بالمدينة فكان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يقول حرق الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وهو وأهله نيام فطارت منها شرارة فاحترق البيت واحترق هو وأهله. وقيل: إن الكفار والمنافقين كانوا إذا سمعوا حسدوا المسلمين على ذلك فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم يسمع بمثله فيما مضى من الأمم قبلك فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت الأنبياء قبلك ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به الأنبياء فمن أين لك صياح كصياح العير فما أقبح هذا الصوت وما أسمج هذا الأمر؟ فأنزل الله عز وجل: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} الآية وأنزل {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً} {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} يعني أن هزؤهم ولعبهم من أفعال السفهاء والجهال الذين لا عقل لهم.
قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذي اتخذوا دينك هزواً ولعباً {هل تنقمون منا} وهذا على سبيل التعجب من فعل أهل الكتاب والمعنى هل تجدون علينا في الدين إلا الإيمان بالله وبما أنزل إلينا وبما أنزل على جميع الأنبياء من قبل وهذا ليس مما ينكر أو ينقم منه وهذا كما قال بعضهم:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهنَّ فلول من قراع الكتائب
يعني أنه ليس فيهم عيب إلا ذلك وهذا ليس بعيب بل هو مدح عظيم لهم. قال ابن عباس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعازوراء وزيد وخالد وأزار بن أبي أزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط- إلى قوله- ونحن له مسلمون الآية فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا: والله لا نؤمن بمن آمن به، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنهم قالوا والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله هذه الآية: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزلنا إلينا وما أنزل من قبل} وهذا هو ديننا الحق وطريقنا المستقيم فلم تنقمونه علينا {وأن أكثركم فاسقون} يعني أنما كرهتم إيماننا ونقمتموه علينا مع علمكم بأننا على الحق بسبب فسقكم وإقامتكم على الدين الباطل لحب الرياسة وأخذ الأموال بالباطل وإنما قال أكثركم لأن الله يعلم أن من أهل الكتاب من يؤمن بالله وبرسوله. قوله عز وجل.


{قل هل أنبئكم بشرٍّ من ذلك} هذا جواب لليهود لما قالوا ما نعرف ديناً شراً من دينكم. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة هل أخبركم بشر من ذلك الذي ذكرتم ونقمتم علينا من إيماننا بالله وبما أنزل علينا {مثوبة عند الله} يعني جزاء.
فإن قلت: المثوبة مختصة بالإحسان لأنها في معنى الثواب، فكيف جاءت في الإساءة؟. قلت: وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع ***
فإن قلت: هذا يقتضي أن الموصفين بذلك الدين محكوم عليهم بالشر لأنه تعالى قال بشر من ذلك ومعلوم أن الأمر ليس كذلك فما جوابه؟. قلت: جوابه أن الكلام خرج على حسب قولهم واعتقادهم، فإن اليهود حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر فقال لهم: هب أن الأمر كذلك لكن من لعنه الله وغضب عليه ومسخ صورته شر من ذلك.
وقوله تعالى: {من لعنه الله} معناه هل أنبئكم بمن لعنه الله أو هو من لعنه الله ومعنى لعنه الله: أبعده وطرده عن رحمته {وغضب عليه} يعني وانتقم منه لأن الغضب إرادة الانتقام من العصاة {وجعل منهم القردة والخنازير} يعني من اليهود من لعنه الله وغضب عليه ومنهم من جعلهم قردة وخنازير قال ابن عباس: إن الممسوخين كلاهما أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير.
وقيل إن مسخ القردة كان من أصحاب السبت من اليهود ومسخ الخنازير كان في الدين كفروا بعد نزول المائدة في زمن عيسى عليه السلام ولما نزلت هذه الآية عيَّر المسلمون اليهود وقالوا لهم: يا إخوان القردة والخنازير وافتضحوا بذلك {وعبد الطاغوت} يعني: وجعل منهم عبد الطاغوت، يعني من أطاع الشيطان فيما سول له والطاغوت هو الشيطان. وقيل: هو العجل. وقيل: هو الكهان والأحبار. وجملته أن كل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبد ه وهو الطاغوت {أولئك} يعني الملعونين والمغضوب عليهم والممسوخين {شرّ مكاناً} يعني من غيرهم ونسب الشر إلى المكان والمراد به أهله فهو من باب الكناية وقيل: أراد أن مكانهم سقر ولا مكان أشد شراً منه {وأضل عن سواء السبيل} يعني وأخطأ عن قصد طريق الحق.
قوله تعالى: {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا} قال قتادة: نزلت في أناس من اليهود دخلواعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به وهم متمسكون بضلالتهم وكفرهم فكان هؤلاء يظهرون الإيمان وهم في ذلك منافقون، فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحالهم وشأنهم {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} يعني: إنهم دخلوا كافرين وخرجوا كما دخلوا كافرين لم يتعلق بقلوبهم شيء من الإيمان فهم كافرون في حالتي الدخول والخروج {والله أعلم بما كانوا يكتمون} يعني من الكفر الذي في قلوبهم.
قوله عز وجل: {وترى كثيراً منهم} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وترى يا محمد كثيراً من اليهود وكلمة من يحتمل أن تكون للتبعيض. ولعل هذه الأفعال المذكورة في هذه الآية ما كان يفعلها كل اليهود فلذا قال تعالى: {وترى كثيراً منهم يسارعون}. المسارعة في الشيء: المبادرة إليه بسرعة لكن لفظة المسارعة إنما تستعمل في الخير. ومنه قوله تعالى: {يسارعون في الخيرات} وضدها العجلة، وتقال في الشر في الأغلب وإنما ذكرت لفظة في قوله يسارعون {في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} الفائدة وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنهم محقون فيها. والإثم اسم جامع لجميع المعاصي والمنهيات فيدخل تحته العدوان وأكل السحت، فلهذا ذكر الله العدوان وأكل السحت بعد الإثم والمعاصي وقيل الإثم ما كتموه من التوراة والعدوان وما زادو فيها والسحت هو الرشا وما يأكلونه من غير وجهه {لبئس ما كانوا يعملون} يعني لبئس العمل كان هؤلاء اليهود يعملون وهو مسارعتهم إلى الإِثم والعدوان وأكلهم السحت.
قوله تعالى: {لولا} يعني هلا وهي هنا بمعنى التحضيض والتوبيخ {ينهاهم الربانيون والأحبار} قال الحسن الربانيون علماء أهل الإنجيل والأحبار علماء أهل التوراة وقال غيره كلهم من اليهود لأنه متصل بذكرهم {عن قولهم الإثم} يعني الكذب {وأكلهم السحت} والمعنى هلا نهى الأحبار والرهبان، اليهود عن قولهم الإثم وأكلهم السحت {لبئس ما كانوا يصنعون} يعني الأحبار والرهبان إذا لم ينهوا غيرهم عن المعاصي. وهذا يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه لأن الله تعالى ذمّ الفريقين في هذه الآية. قال ابن عباس: ما في القرآن أشد توبيخاً من هذه الآية. وقال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14